الاثنين، 16 يونيو 2008

خواطر ( من 56 إلى 60 ) :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

56 - الله يغفر للمسلم – أي مسلم- كل شيء , اللهم إلا الشرك :
قال تعالى :"إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفِر ما دون ذلك لمن يشاء ". نعم ! إن العبد أقربُ إلى الله وإلى سعادة الدنيا وإلى حسن الخاتمة وإلى جنة الخلد في الآخرة كلما كثرت طاعاته لله وقلت معاصيه , وكلما صدق مع الله وأخلص وجهه لله. كلُّ هذا صحيح , ومع ذلك فإن المسلم –عموما- يبقى مسلما , نستغفر الله له ونرجو له رحمة الله والجنة ونسأل الله أن يجنبه غضبه والنار , مهما ارتكب من معاصي وذنوب وآثام , ومهما ارتكب من خطايا , ومهما قتل وسرق وزنى و... وأسرف على نفسه , ومهما قتل ولو مائة نفس . قال الله عزوجل:" قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله.إن الله يغفر الذنوب جميعا.إنه هو الغفور الرحيم". ألا ما أوسع الإسلام الذي يريد بعضهم أن يُضيقه !!!.

57 – قانون الأسرة في كثير من بلاد المسلمين اليوم :
الحكم الإسلامي مستبعد في كثير من بلاد الإسلام , في كل مجالات الحياة إلا في الأحوال الشخصية ( التي لا تمثل إلا جزءا بسيطا من حياة المسلمين الطويلة والعريضة ) حيث الأحكام فيه مازالت مستمدة من الشريعة الإسلامية ومن أقوال فقهاء الإسلام . ومما يندى له الجبينُ هو أن هذا الجزء البسيط والمتواضع والوحيد من حياتنا والمحكوم بشريعة الإسلام عمِلَ وما زال يعمَلُ ناسٌ في بلادنا – خاصة في الجزائر - من سنوات وسنوات من أجل محو الصبغة الإسلامية عنه , ومن أجل التخلص من قوانين الإسلام التي تحكمه , طبعا بدعوى العصرنة والحداثة . ونحنُ إذا غيرنا من بعض الأحكام في قانون الأسرة وذلك بأن خرجنا في مسألة معينة عن حكم فقيه إلى حكم فقيه آخر طلبا للمصلحة , فهذا أمرٌ لا غبار عليه , لكن المرفوض شرعا أمران :
ا- أن ننتقل من حكم فقيه إلى حكم فقيه آخر اتباعا للهوى أو لشهوات بعض المنحرفين والمنحرفات لا للمصلحة المعتبرة شرعا .
ب- أن نلغي أقوال الفقهاء المسلمين ونضع مكانها أو بدلا منها قوانين أرضية بشرية مستوردة من دول كافرة.

58 - الحقُّ يزيده محاربوه وضوحا في ضمير الناس :
ومن هنا فإن الحكام عندما يحاربون متدينين منحرفين عن الدين هم معذورون في ذلك إلى حد بعيد . أما عندما تكون حربهم على الإسلام والدين فإن الحرب تُقَوي المتدين عادة وتزيد من تعصبه للدين , بل قد تجعل منه- إذا كانت ثقافته الدينية متواضعة وبسيطة- متطرفا للدين بعد أن كان معتدلا . هذا فضلا عن أن الناس- مسلمين أو كفار- يتعاطفون مع المظلوم حتى ولو كان على باطل في عقيدته وفي فكره وفي مبادئه , ويتعاطفون معه من باب أولى إذا كان مسلما لا ذنب له إلا أنه يريد أن يُقيمُ الدولةَ الإسلامية التي أمر الإسلام بتطبيقها ويُطبق شرع الله الذي حكم به سيدنا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم .

59 – عن شرب الدخان :
قبل أن تكتشفَ الدنيا مضارَّ الدخان المؤكدةَ - خاصة منها الصحية- , كان الخلافُ قائما أيام زمان بين علماء الإسلام بين من قال بجواز شربه ومن قال بكراهية ذلك ومن قال بحرمة ذلك .
وأما اليوم , وبعد أن تأكدت الأضرار المختلفة للدخان في المجالات الصحية والمالية والاجتماعية والأدبية والأخلاقية والذوقية و...( وخاصة منها الصحية ) فلا يختلف اليوم ولو عالمان من علماء الدنيا المسلمين في حكم شرب الدخان. توجد اليوم مئات الفتاوى المعتبرة لعلماء ثقات تؤكد على عدم جواز شرب الدخان وعلى حرمة ذلك . إنه لا ريبَ في خبث الدخان ونتنه ، و... وتحريمه بالنقل الصحيح ، والعقل الصريح ، وفتاوى الفقهاء المجتهدين , وكلام الأطباء المعتبرين . إن الإجماع واقع اليوم على أن شربَ الدخان حرامٌ ثم حرام ثم حرام . ولا يختلف العلماء في هذه المسألة , أي في حكم شرب الدخان سواء بين العلماء الذين يميلون عادة إلى التيسير والتسهيل المبالغ فيهما مع الناس , أو بين العلماء الذين يميلون عادة إلى التعسير والتشدد في أمور الدين , أو بين المعتدلين أو أصحاب التوسط من علماء الإسلام .
ولَـأَن يشرب الشخصُ الدخانَ ويقول " هو حرامٌ . وأنا أسألُ اللهَ أن يُغلِّـبني على نفسي وعلى الشيطان , حتى أتوقفَ عن شربه عن قريب " , هذا أفضلُ له بكثير من أن يشربَ الدخانَ , ويقول " ليس فيه شيء . إنه حلال" , لأنه إن فعلَ ذلك فإنه يرتكبُ بذلك ذنبين لا ذنبا واحدا : الأول لأنه شربَ الدخانَ , والثاني لأنه أباحَ ما حرَّمَ اللهُ .
ثم أضيف هنا بعض الإضافات الطريفة والجادة المتعلقة بهذه المسألة :
أولا : يقال بأن المدخن يمتاز بأربع مميزات : هو لا يشيبُ رأسُه , لأنه غالباً ما يقضي عليه الدخانُ قبل بلوغه سنَّ المشيب. والمدخنُ لا ينهشه كلبٌ - أعزكم وأكرمكم الله- لاستصحابه لعكازه نتيجة لعجزه وضعفه . والمدخنُ لا يدخلُ اللصُّ دارَهُ , لأنه يقضي ليلَـه مع نوبات لا تنتهي من السعال يتعذر معها اقتحامُ دارِه. والمدخنُ إذا ركبَ الحافلةَ أو غيرها ورآهُ أحدُ الجالسين ضعيفَ البنية منهارَ القوى معتلَّ الصحة , رقَّ قلبُـه لحاله فتنازلَ له عن مقعده و أجلسه فيه.
ثانيا: فتوى للشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - ( وهي واحدة من مئات الفتاوى المتشابهة ) :" شربُ الدخان محرمٌ وكذلك الشيشة,والدليل على ذلك قوله تعالى "ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما" .وقوله تعالى "ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ." وقد ثبت في الطب أن تناولَ هذه الأشياء مضرٌّ , وإذا كان مضرا كان حراما .ودليل آخر قوله تعالى " ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما " , فنهى عن إتيان السفهاء أموالَنا لأنهم يبذرونها ويفسدونها . ولا ريب أن بذلَ الأموال في شراءِ الدخان والشيشة و... تبذيرٌ وإفساد لها , فيكون منهيا عنه , بدلالة هذه الآية . ومن السنة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن إضاعة المال لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال" لا ضرر ولا ضرار ".وتناولُ هذه الأشياء موجبٌ للضررِ , ولأن هذه الأشياء توجبُ للإنسان أن يتعلق بها فإذا فقدها ضاق صدرُه وضاقت عليه الدنيا ، فأدخل على نفسه أشياء هو في غنى عنها". انتهى كلامه رحمه الله.
ثالثا : لابد من تقديمِ النصيحة للمدخنِ بالطريقة المناسبة التي تجعله يقبلُ الكلامَ وتُساعدُه على التغلبِ على نفسِه والتوقفِ عن التدخين , لأن الناصحَ في بعض الأحيان – حتى وإن كانت نيتُه حسنة - يدفعُ المدخنَ – ولو بطريقة غير مباشرة - للإصرارِ على مواصلةِ التدخين , وهذا إن قدَّم النصيحةَ بطريقة فظة غليظة .
والله أعلم بالصواب .

60 الزواج أفضل :
الرجل مهما أعطاه الله ,لا بد له أن يتزوج حتى تكتمل راحته ويكتمل توازنه النفسي والبدني , و..وإذا كان الزواج فيه ما فيه من التعب والمشقة , فإن الحياة ليس لها معنى كبير بدونه . ومتاعب الزواج تُكَوِّن الرجالَ والنساءَ في آن واحد, فضلا عن أن السعي على شريك الحياة وعلى الأولاد في مرتبة الجهاد في سبيل الله من حيث الأجر عند الله.وما يقال من أن العزوبة أفضل من الزواج كلام لا دليل عليه من الشرع ولا رصيد له من الواقع .يكفي أن الزواج شرعة رب العالمين وسنة الأنبياء ,فيه تواصل النسل والبناء النفسي وإحصان الفرج والتعاون على طاعة الله وتعمير الأرض وتربية الأولاد وتكوين الأجيال المسلمة وفيه ما فيه. وأحبُّ دوما أن أقول للشاب غير المتزوج :" أنت ما زلت طفلا ما دمت لم تتزوج , حتى ولو كان عمركَ 40 سنة " , وكذلك للفتاة التي ما زالت لم تتزوج :" أنتِ ما زلتِ طفلة إلى أن تتزوجي , حتى ولو بلغتِ الأربعين ", وأحب أن أّذَكِّر كذلك بقول الشيخ يوسف القرضاوي أطال الله عمرَه ونفع بعلمه الإسلامَ والمسلمين , في هذا الموضوع:"لا معنى لجنة يعيش فيها الإنسان وحده بدون زوج أو زوجة"هذا عن الزواج في الجنة , فما بالك بالزواج في الدنيا ؟! .
ثم أضيفُ فأقول :
أولا : من سيئات هذا الزمان أن الزواج الذي يُـفترض فيه أن يكون سهلا وبسيطا وميسرا صعَّـبَـه الناسُ وعقدوه ووضعوا أمامه العراقيل والأشواك والحواجز , فلكم اللهُ يا شباب الإسلام , ولكنَّ الله يا فتيات الإسلام . وأسباب صعوبة تزوج الشباب المسلم وتزوج الشابات المسلمات متعددة ومختلفة وكثيرة جدا , منها المهور الكبيرة جدا التي يفرضها أولياء البنات على الخطاب الذين يعجزون - في الكثير من الأحيان - عن توفيرها ولو من خلال سنوات وسنوات شغل وعمل وادخار , خاصة عندنا في الجزائر , حيث خزائن الدولة ملأى بالأموال وأغلب الشعب فقير .نسأل الله أن يهدي أولياء الفتيات من أجل تيسير زواج بناتهم , وأن يصلح أحوال المجتمع , وأن يزوج كل شاب وفتاة يريدان تحقيق نصف الدين , وأن يبارك لكل زوج في زوجته وأن يجمع بينهما في خير , آمين .
ثانيا : وفي المقابل كذلك فإن من سيئات هذا الزمان أنك تجد الشاب – في بعض الأحيان - في مقتبل العمر إذا أتى أمامه ذكرُ أمر الزواج تجده يُـرعد ويُـزبد ويرفضُ الزواج مع أنه قادر عليه , تجده يقدم السيارة على الزواج ويقول لك مثلا " حينما أحصل على السيارة حينها يمكن أن أفكر في الزواج , لكن أن أتزوج قبل ما أشتري السيارة أو أفعل كذا أو ... فهذا مستحيل ثم مستحيل ". هذا مع ملاحظة أننا في زمان الشاب فيه – أحيانا - في طور الدراسة الجامعية ولكنه في المقابل مراهق وأهدافه مازالت أهدافا صبيانية .
ما أبعد الفرق بين أيام زمان واليوم . أبي مثلا تزوج أيام زمان ( حوالي 1930 م ) عن عمر 14 سنة فقط , وبدأ يتحمل مسؤوليات الأسرة مع أبيه قبل أن يتزوج . وأما أولاد هذا الزمان ( خاصة منهم الذكور ) فيمكن أن يتجاوز الواحد منهم ال 25 سنة من عمره , وهو ما زال في عقله طفلا صغيرا لا يصلح لا لزواج ولا لمقدمات زواج .ثم أن يكره الشبابُ الزواجَ وهو قادر عليه ( لأنه معذور , إن لم يكن قادرا عليه خاصة من الناحية المادية ), هو أمر في نظري متعلق بجملة عوامل : ا- منها الجهل بالإسلام الذي جعل الزواج نصف الدين . ب- ومنها ضعف الإيمان الذي يدعو إلى عبادة الله عن طريق التعاون بين الزوجين على طاعة الله وعلى تربية الأولاد وعلى تكوين أسرة إسلامية . جـ ومنها , وهو سبب مهم جدا في نظري وله علاقة بالسببين السابقين . هذا السبب الثالث هو ضعف الهمة أو دنوها أو دناءتها التي تجعل الكثير من الشباب ذكورا , ولكنهم لا يشبهون الرجال لا من قريب ولا من بعيد , والتي تجعلهم في أغلب الوقت مهتمين بصغائر الأمور عوض الاهتمام بعظائمها . إن هذه الهمة التي تكاد تساوي الصفر هي عامل من العوامل المهمة التي تجعل الشاب في هذا الزمان يُقدم السيارةَ على الزواج ويقدم التوافه على الأمور الجليلة , ويقدم صغائر الأمور على الزواج الطيب المبارك .
ثالثا : قال لي أخ فاضل : لقد قلتَ " لكن أنت ما زلتَ طفلا ما دمتَ لم تتزوج بعدُ , حتى ولو كان عمركَ 40 سنة ". هذه مبالغة منك أخي العزيز , فما علاقة رجولتنا بالزواج ؟.
قلتُ له " نعم قد يكون في الكلمة بعض المبالغة المقصودة مني , والغرض منها تشجيع الشاب على الزواج .ولكن البعض الآخر من الكلمة صحيح - في رأيي - وليست فيه أية مبالغة , على اعتبار أن الشخص عموما عن طريق الزواج ينتقل من الشباب أو من الطفولة إلى الرجولة . أي أنه من أهم ما يلزم الشخص حتى يكون رجلا , هو أن يتزوج لوجه الله تعالى . إذا لم يصبحْ الشخصُ بالزواج رجلا , فعلى الأقل تكتمل رجولة الرجل بالزواج .ولا ننسى أن الزواج نصف الدين , وأنه من صميم سنة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم " من رغب عن سنتي فليس مني " .نعم قد يوجد ضمن أعلام المسلمين أشخاصٌ رجال عظام ( مثل بعض العلماء والصالحين والشهداء والأئمة و...) مع أنهم لم يكونوا متزوجين , ولكنني أتحدثُ هنا عن الغالب لا عن الشاذ . في كل زمان ومكان , وفي أغلب الأحيان , إما أن الزواج يُحول الشخصَ من شاب أو طفل إلى رجل , أو على الأقل حتى ولو كان الشخصُ بلا زواج رجلا , فإن الزواج يُكمِّـل بإذن الله رجولـتَـه .هذا رأيي الذي أعتز به وأرفع صوتي به دوما وأبدا ومنـذ كنتُ صغيرا . ثم إن الذي يُهم أكثر في الموضوع ليس هذه الكلمة التي فيها جانب صحيح وجانب مبالغ فيه مبالغة مقصودة , وإنما الأهم في الموضوع هو دعوة لمن كان يقدر على الزواج أن يتزوج , استجابة لأمر رسول الله " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج "... ودعوة لأولياء البنات أن يُـيـسروا الزواج على بناتهم " أقلهن مهرا أعظمهن بركة " .والله أعلم .
يتبع : ...

ليست هناك تعليقات: