الثلاثاء، 17 يونيو 2008

خواطر ( من 201 إلى 210 ) :

بسم الله
عبد الحميد رميته , الجزائر

201- عن النظر إلى المخطوبـة :
يستحب من الرجل النظر إلى الخطيبة- التي يريدها أن تكون زوجة له في المستقبل - في بيتها وأمام واحد من محارمها , ويمكنهما أن يتحدثا معا وأن يتعرفا على البعض من أفكار بعضهما البعض العامة . أما بعيدا عن أهل الفتاة فإن التعارف يمكن أن يكون فيه من الشر ما فيه , لأنه قد يكون حراما وقد يكون مقدمة لحرام , فضلا عن أنه تعارف كاذب في الغالب لأن كل واحد منهما يتجمل للآخر بما ليس فيه ولا يمكنه أن يتعرف عليه كما ينبغي ولو عاشره بهذه الطريقة لسنوات وسنوات . وأما الحب فإن أفضل الحب- عموما - هو الذي يأتي بعد الزواج .
والغريب أن بعض أولياء البنات قد يمنعون الخاطب أن ينظر إلى خطيبته ( ابنتهم ) أمام أهلها وعلى كتاب الله ووفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وفي المقابل يسمحون لابنتهم أن تخرج متى شاءت وكيفما شاءت ومع من شاءت من الذكور بلا قيد ولا ضابط شرعي . نسأل الله الهداية للجميع .

202 -الله وحده أعلم بالأسباب ... :
نتيجة جهل الناس بالإسلام , تجدهم يتدخلون في بعض الأحيان – ولو بنية حسنة – في علم الله الذي لا يعلمه إلا هو . ومن أمثلة ذلك :
ا-إذا أصيب شخص بالسرطان – عافاني الله وإياكم , وشفاني الله وإياكم – يقولون عنه " هذا لأنه سيء وعاصي , لذلك سلط الله عليه هذا المرض الخبيث "!!!.
ب- إذا وقع إعصار في منطقة ما أو وقعت فيضانات أو وقع حريق أو ... يقولون " ذلك بما كسبت أيدي سكان ذلك المكان أو تلك المنطقة "!!!.
جـ-إذا أصيب شخص بمرض غير معروف حتى الآن عند الأطباء , يقولون " ذلك لأن الشخص انحرف عن صراط الله المستقيم "!!!.
وهكذا ... تجد هؤلاء الناس يتدخلون – بهذه الطريقة - في علم الله الذي لا يعلمه إلا هو .
صحيح أنه يجوز لهم أن يقولوا " ربما فعل الله كذا من أجل كذا " , أو يقولون " الله ابتلى فلانا بكذا لأنه يفعل كذا " , ولكن لا يجوز بدا الجزم بشيء ما .
لا يجوز الجزم بشيء :
1-لأن هذا غيب لا يعلمه إلا الله تعالى .
2-ولأن الله يبتلي بالخير كما يبتلي بالشر , وقد يُـصاب المؤمنُ بشر ظاهر والله يريد به خيرا حقيقيا , وقد ينال الكافرَ أو العاصي خيرٌ ظاهر والله يريد به شرا حقيقيا .
3- ولأن الدنيا يعطيها الله لمن يحب ولمن لا يحب , وأما الآخرة فلا يعطيها الله إلا لمن يحب .
4- قد نـتحدث بشكل عام على أن الزلزال قد ينزله الله بمنطقة من أجل أن يعاقبَ أهلها لأنهم بالغوا في معصية الله , ولكن لا يجوز لنا أبدا أن نجزم بأن الله ابتلى منطقة معينة بالزلزال لأنهم بالغوا في معصية الله وانحرفوا عن صراطه المستقيم .
5 - لأنه لا دليل لا من الكتاب ولا من السنة ولا ... على أن الله فعل كذا بفلان أو بالمنطقة الفلانية من أجل كذا ...
6- ولأنه مهما أنزل الله مصيبة أو بلاء بمنطقة أو بشخص فهناك مناطق أسوأ , كما أن هناك أشخاصا أسوأ , فلماذا يسلط الله العذاب في الدنيا على السيء ويترك الأسوأ ؟!.
7- في الكثير من الأحيان , لله تعالى أكثر من حكمة ( وليس حكمة واحدة ) من وراء الشيء الواحد الذي قضاه بين عباده .
8- متى يجوز لنا أن نجزم بشيء ؟! . والجواب : عندما يخبرنا الله بذلك , أو يخبرنا رسول الله عليه الصلاة والسلام بذلك .
9- ولأن الله يفعل ما يشاء , وهو العليم الحكيم , وهو الذي لا يُسألُ عما يفعلُ , وهو وحدهُ الذي يسألُ غيرَهُ .
ومنه فإن الذي يقول على الله بغير علم , يمكن أن يقول الله له " من ذا الذي يتألى علي ؟!". لذا فإن إيماننا بالله وعلمنا بالدين والتزامنا بالإسلام : كل ذلك يحتم علينا أن لا نتدخل في علم الله , وإذا كان لا بد لنا من أن نتكلم , فلنقل " نظن " فقط , ولا نجزم أبدا بشيء .
نسأل الله أن يسترنا وأن يحفظنا وأن يوفقنا لكل خير .

203-بين التنافس على الدنيا وعلى الآخرة :
التنافس على الدنيا الحلال جائز , ولكن الأولى منه والأفضل والأنفع والأطيب والأحسن هو التنافس على طلب الآخرة والجنة . ومنه فإن إيثار الغير مطلوب شرعا ومحمود ولكن في متاع الدنيا , وأما فيما يتعلق بطلب الآخرة فلا يليق أن تقدم أو تؤثر غيرك على نفسك , بل الأنانية هي المطلوبة شرعا والمحمودة . لذلك :
ا- إذا رأيتَ أنك تكاد تموت عطشا وقدمتَ أخاك العطشان على نفسك , فالإيثار هنا محمود ولك أجرٌ على ما فعلتَ مع أخيك لأنك قدمته على نفسك في دنيا .
ب- وأما إذا كنتما في المسجد مثلا : أنت وأخوك في صف , وكانت فرجة موجودة في الصف الذي أمامكما , فلا يليق شرعا أن تؤثر أخاك هنا ( لأن هذه آخرة وليست دنيا ) , بل المطلوب هو أن تسعى – بدون أن تتعارك – لتكون أنت لا أخوك في الصف الأمامي . والله وحده أعلم بالصواب .

204- عن لعن المسلم لأخيه المسلم المعين :
من المعروف بداهة في ديننا أنه لا يجوز للمسلم أبدا أن يلعن أخاه المسلم المعين , لا يجوز له ذلك أبدا مهما أخطأ الأخُ الآخر أو عصى , أو مهما كان الآخرُ فاسقا أو فاجرا أو ... لا يجوز للمسلم أن يلعن آخرَ معينا ما دام مسلما . وحتى الكافرُ فالأولى أن لا يُـلعن إلا إن تأكدنا 100 % بأنه مات على الكفر الذي لا شك في أنه كفر . يجوز أن نقول لعنة الله على الظالمين , ولكن لا يجوز أن نلعن مسلما بعينه مهما كان ظالما , ونفس الشيء يُـقال عن السارق والكاذب والخائن وشارب الخمر والزاني والغش و ... عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : جاء نقلا عن شبكة أنا المسلم :
[ ” ليسَ المؤمِنُ بِطَعّان ولا لعّان ولا فاحِش ولا بَذيء ”. من سب مسلماً فقد فسق لقوله صلى الله عليه وسلم " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر " ( متفق عليه) . ومن لعن مسلماً فكأنما قتله لقوله صلى الله عليه وسلم " ومن لعن مؤمنا فهو كقتله ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله " أخرجه البخاري . قال تعالى " ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون". (الحجرات:11) . ومعنى هذا أن من فعل ذلك كان فاسقاً بعد أن كان مؤمناً . ولا يجوز لمسلم أن يستحل سب المسلم أو شتمه أو عيبه أو غيبته إلا في حق كأن يكون مظلوماً يرد عن نفسه . ولا شك أن الصفح والمغفرة أعظم وآجر عند الله لقوله تعالى " ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور" الشورى : 43 . إن اللعن والسب والشتم والفحش في الكلام والطعن في الأنساب ، كل ذلك ليس من شيم المتقين . وسباب المسلم فسوق يعني أن السابّ نفسه فاسق , لأن سباب المسلم فسوق وقتاله كفر كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم . أما لعن من فعل فعلا معينا دون تخصيص لأحد فهو جائز ، فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه لعن آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه ، ولعن المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ، ولعن من لعن والديه ، و... ، وقد لعن الله تعالى في القرآن الظالمين والكاذبين , لكن بدون تخصيص لشخص بعينه . والمؤمن بعيد عن السب والشتم ولا يستخدم الألفاظ البذيئة في جد ولا هزل ولا في رضا أو غضب ]. ا.هـ.
ولكن – وكما قلتُ قبل قليل – لا يجوز أبدا أن يلعن المسلمُ أخاه المسلمَ المعينَ مهما كانت حالة الآخرِ من فسوق وعصيان , ومهما كانت نية اللاعنِ طيبة وحسنة . هذا أمر لا خلاف في حرمته وعدم جوازه .
ومع ذلك – وللأسف الشديد – هناك مسلمون يلعنون إخوتهم في الإسلام .

205- الوقت هو الحياة :
الوقت ليس " كالسيف إن لم تقطعه قطعك " , وليس " من ذهب " , وليس ... ولكن الوقت هو الحياة . إنه الثواني والدقائق والساعات والأيام والشهور والسنوات التي يعيشها المرء على هذه الأرض , ومنه فما أغلاه إن استغل في خير وما أتفهه إن استغل في شر .
1- كل واحد منا سيُـسأل يوم القيامة عن الوقت , وكذا عن عمره فيم أفناه , فإن قضاه في طاعة ومع مباحات سعِـد في الدنيا ونجا في الآخرة . وأما إن قضاه مع المعاصي والذنوب والآثام شقي في الدنيا وخسر في الآخرة الخسران المبين .
2- ما أحسن أن نقضي جل أوقاتنا مع الطاعات , ونقضي القليل منها فقط مع المباحات . وإذا عصى الواحد منا اللهَ بين الحين والآخر , ما أحسن وأطيب أن يسارع بالتوبة والاستغفار عسى الله أن يبدل سيئـتـه إلى حسنات .
3- وقت الترفيه عن النفس من خلال مباحات وجائزات إذا نوى المرء به التقوي على عبادة الله تعالى أصبح بإذن الله عبادة من العبادات له عند الله عليه أجر . ولكن مع ذلك يتمنى كل واحد منا أن يكون أغلبُ وقته مع العبادات لا مع المباحات والترفيه عن النفس .
4- كل بن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون , ومنه فـعيبٌ أن نعصي الله ولكن العيب الأكبر في أن نُكثِـر من المعاصي , وعيبٌ أن نعصي الله ولكن العيب الأكبر في أن نصر على العصيان ولا نسارع بالتوبة , وعيبٌ أن نعصي ولكن العيب الأكبر في أن نفرح بالمعصية .
5- الوقتُ إن استغله المؤمنُ فيما ينفعه دنيا وآخرة كان له نعمة من أعظم نعم الله , وأما إن لم يستغله فيما ينفع ويفيد أو استغله فيما يضر , كان عليه نقمة والعياذ بالله تعالى . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " .
6- مهم جدا جدا جدا لو يسعى كلُّ واحد منا إلى أن يستغل وقته ما استطاع فيما ينفع ويفيد إلى درجة أنه يصبح مع الأيام , ليس لديه الوقت الفراغ الذي لا يجد ما يفعله فيه . هذه أمنية أرى أنها غاليةٌ جدا يجب على كل واحد منا أن يتمنى من الله أن يحققها له .
صحيحٌ أن الشخصَ إذا وصل إلى هذا الحد , بحيث لا يصبح عنده وقت فراغ أبدا , هذا الشخص سيعيش متعبا ولكنني أظن أنه سيعيش مع ذلك سعيدا كل السعادة بإذن الله تعالى , هذا مع أجره الكبير عند الله سبحانه عزوجل .
والله أعلم بالصواب .

206- تناقض بعض الرجال مع بناتهم :
كم عند الناس من تناقضات في حياتهم اليومية . ومن ذلك تناقض بعض الرجال في تعاملهم مع المرأة , خاصة مع البنت . يوجد في مجتمعاتنا رجال لا يهتمون ببناتهم خارج البيت أو داخل البيت في الأحوال والأيام العادية , ومنه تجد الواحدَ منهم لا يراقب ابنته ولا ينصحها ولا يوجهها ولا يوقفها عند حدها إن تعدت حدا من حدود الله في أدب أو خلق أو حياء أو شرف أو عفة أو كرامة أو ... ومنه لا بأس عليها أن تخالط ذكورا أو رجالا وتصافحهم وتسلم عليهم وتتحدث معهم بما يصلح وما لا يصلح من الكلام , وربما تختلي بالواحد منهم وتفعل معه أو يفعل معها ما الله أعلم به , بلا حسيب ولا رقيب من أهلها وخاصة من أبيها . وتجد الواحد منهم لا يراقب ابنته ولا يحاسبها سواء خالطت الرجال بحلال أو بحرام , وسواء تم ذلك داخل البيت أو خارجه .
ولكنك تجد الرجل في المقابل وفي المناسبات الخاصة كالأعراس وغيرها مما يشبهها , تجده يتشدد مع ابنته التشدد الزائد حتى أنه يمكن أن يمنع ابنته من الحلال لا من أجل الله , ولكن مراعاة فقط لتقاليد بالية ما أنزل الله بها من سلطان . ومن هذا المنطلق يمكن أن يمنع الرجلُ مثلا خاطبا جاء يخطب ابنته على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم , وجاء يريد رؤيتها لبضع دقائق , في بيتها , وبحجابها , وفي وجود محارمها من الرجال . يمكن أن يمنع الرجلُ هذا الخاطبَ منعا باتا , ويرد على طلبه بعنف , ويزجره بقوة , ويكلمه بفظاظة وغلظة وكأنه طلب حراما أو أراد مستحيلا !!!.

207 – عن الرقص للرجال :
الرقص مما تختص به المرأة لا الرجل . والمرأة لا يجوز لها أبدا -وبلا خلاف بين عالمين مسلمين - أن ترقص أمام أجنبي عنها من الرجال . أما الرجل فرقصه ولو وحده في الغابة , هو من التشبه المذموم للرجال بالنساء سواء كان حراما أو مكروها . وأعتقد أننا لن نجد على سبيل المثال ولو امرأة واحدة من 100 امرأة تعتز بزوجها إذا رأته ( أو سمِعتْ به ) يرقص سواء أمامها فقط في بيت النوم أو أمام رجال أو أمام نساء . وإن وُجدت واحدة من المائة فإنها ربما تفرح بزوجها ( أو تحتقره , لا أدري ! ) لأنها هي الرجل في علاقتها به وهو المرأة , أي أنها تغلبُ زوجها والعياذ بالله . والرجل الذي يرقص مُخنَّث . وإن ادعى أنه برقصه تقدمي , فهو واهم إلا أن يكون تقدميا لا إلى الأمام بل إلى الخلف .
والله أعلم .

208- عن الوقوف على الحياد :
إن الوقوف على الحياد جائز بين الصواب والخطأ , وأما بين الحق والباطل فالحياد يساوي الوقوف مع الباطل والعياذ بالله تعالى , وهو غير جائز باتفاق . كذلك فإن الحياد جائز بين الصواب والخطأ , وأما بين الظالم والمظلوم فالحياد يساوي الوقوف مع الظالم , وهو حرام بلا أي خلاف .

209 – مواقف مقبولة , وموقف واحد مرفوض جدا :
مع كل مسألة خلافية بين الفقهاء يمكن للمسلم أن يقف أي موقف من المواقف الآتية , إلا موقفا واحدا لا يجوز له أبدا ( شرعا وعقلا ومنطقا وعرفا و...) أن يقفه :
1- أن يذكر القولَ الذي يطمئن إليه هو , ولا يذكر الأقوال الأخرى لسبب أو لآخر , بل لا يشير أساسا إلى أن المسألة خلافية .
ومثال ذلك أن يقول " لا يجوز للنساء أن تزرن المقـابـر" ( مع أن المسألة خلافية ) .
2- أن يذكر أقوال الفقهاء المختلفة بدون أية إشارة إلى ما يميل إليه هو من هذه الأقوال .
ومثال ذلك أن يقول " اختلف الفقهاء فيمن لم يجد ماء يتوضأ به ولا صعيدا طيبا يتيمم به , حيث انقسموا إلى أربعة أقوال : يصلي ولا يقضي , يصلي ويقضي , لا يصلي ولا يقضي , لا يصلي ويقضي ".
3- أن يذكر القول الذي يطمئن إليه هو , مع الإشارة إلى الأقوال الأخرى بدون ذكر ضعيف أو قوي أو راجح أو مرجوح من هذه الأقوال .
ومثال ذلك أن يقول " أنا أرى أنه لا بد لنية الصيام الصحيح أن تكون قبل الصبح كما قال المالكية .ومع ذلك لقد قال آخرون من الفقهاء بأنه يجوز أن تكون النية بعد الصبح في صيام التطوع ".
4- أن يذكر القول الذي يطمئن إليه هو , وينبه إلى أنه يميل إليه أو يتبناه وإلى أنه يعتبره راجحا وقويا و... , ويذكر الأقوال الأخرى مع التنبيه إلى أنها مرجوحة وضعيفة في رأي من أخذ هو بقولهم من العلماء , ومع ذلك هو يحترمها ويحترم القائلين بها والعاملين بها .
ومثال ذلك أن يقول " مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية حرام . هذا هو الصحيح والراجح والذي قال به الجمهور . وقال بعض العلماء " تجوز المصافحة " , وهذا قول ضعيف ومرجوح ولم يقل به إلا القليلون . ومع ذلك هو قول شرعي معتبر مهما كان ضعيفا . ومن قال به لن يُـحرم بإذن الله من الأجر الواحد , ومن أخذ به من العامة معذورٌ شرعا بإذن الله , لأنه أخذ من عالم امتثالا لقول الله تبارك وتعالى " اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون ".
هذه كلها مواقف مقبولة شرعا , وقد يكون موقفٌ أفضلَ – عموما - من موقف , وقد يصلحُ موقفٌ لشخص ويصلح موقفٌ آخر لشخص آخر , وقد يناسبُ موقفٌ ظرفا ولا يناسبُ ظرفا آخر , وقد يستحسنُ موقفٌ مع ناس ولا يستحسنُ مع آخرين , وقد يُـقبلُ موقفٌ في وقت ولا يُقبل في وقت آخر , وهكذا ...
ولكن الموقف الخامس :
5- أن يذكر الشخصُ قولا يتبناه ويؤيده ويعتبره هو الحق , ويقول بأنه لا قول إلا هذا القول , أو ينبه إلى الأقوال الأخرى ولكنه يعتبرها ضلالا وانحرافا , ويعتبر من قال بها ليسوا علماء بل هم – عنده - جاهلون أو مائعون أو منحلون أو مبتدعة أو ... وأنه ليس لهم أجر على اجتهادهم , بل هم آثمون ... كما يعتبر من أخذ بهذه الأقوال من عامة الناس جهلة وضالين ومنحرفين ومائعين ومنحلين ومبتدعة و ... وأنهم آثمون , وأنه ليس لهم أي عذر عند الله إن أخذوا بهذه الأقوال من هؤلاء الذين يشبهون العلماء , ولكنهم ليسوا علماء !!!.
قلتُ : هذا الموقف غير مقبول ولا مستساغ , وهو مرفوض شرعا ومنطقا وعرفا وعقلا , وهو مرفوض بكل المقاييس . وهذا الموقف قبيحٌ جدا , لأنه لا يأتي إلا نتيجة جهل فضيع بالدين , ولا يصدر إلا من متشدد ومتعصب ومتزمت . وهذا الموقف هو ضد :
أولا : " التبشير والتيسير " المطلوبين في الدين .
ثانيا : وهو ضد الحديث النبوي " من اجتهد فأصاب فله أجران , ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد " .
ثالثا : وضد قول الله تعالى " اسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون" .
رابعا : وهو ضد ما قاله بعض الفقهاء " رأيي صواب يحتمل الخطأ , ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
خامسا : وضد ما قاله الإمام الشافعي رضي الله عنه " الله لا يعذب فيما اختلف فيه العلماء " .
سادسا : وهو ضد القول المأثور عن بعض العلماء " اختلاف العلماء رحمة " .
سابعا : وضد الحقيقة المعلومة عند العام والخاص من الناس ومن العلماء بأن " لحوم العلماء مسمومة " . وهو ضد أبسط آداب الكتابة وأخلاق الدعوة إلى الله تعالى .
ومثال ذلك أن يقول :
ا- سماع الموسيقى , أي موسيقى حرام . وهذا هو الحق الذي ما بعده إلا الضلال . وليس في الإسلام إلا هذا القول , والمسألة محل إجماع من طرف الفقهاء قديما وحديثا . ( مع أنها في الحقيقة ليست محل إجماع ) .
ب – الاحتفال بالمولد النبوي الشريف ( كيفما كان الاحتفال , ومهما كانت نية المحتفلين ) حرام وبدعة شرعية , وضلال وانحراف . وقال بعضهم بأن الاحتفال جائز بشروط معينة . وهذا قول باطل لم يصدر إلا من أشباه علماء , وهو قول لا يجوز الأخذ به , لأنه ضعيف ومرجوح ومخالف للأدلة الثابـتـة من الكتاب والسنة . والأخذ بهذا القول فيه من الميوعة والانحلال ومن الضلال والانحراف , ومن الجرأة على دين الله ما فيه . والمسألة محل إجماع , والخلاف فيها لا يعتد به أبدا . ( مع أن المسألة خلافية في حقيقة الأمر , كانت ومازالت وستبقى خلافية إلى يوم القيامة ) .
جـ - دعاء القنوت في الركعة الثانية من صلاة الصبح غير مشروع ولا سنة ولا مستحبا ولا ... ولم يثبت أبدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . هذا هو الحق والصواب والراجح والقوي والثابت و... وأما القول بأنه مستحب كما يقول المالكية , فهو قول باطل لا يجوز الأخذ به ومن أخذ به فهو مائع ومنحل وضال ومنحرف ومبتدع و...( مع أن المسألة في حقيقة الأمر كانت ومازالت وستبقى خلافية إلى يوم القيامة , بغض النظر عن الراجح والمرجوح والصواب والخطأ في هذه المسألة ) .
والله أعلى وأعلم .

210- عادة سيئة عند أغلبية الناس ! :

ملاحظة : هذه العادة , حتى وإن كانت موجودة عند أغلبية الناس , إلا أنني أعتقد أن انتشارها يقل كلما قوي إيمان الناس وازداد قربهم من الله تعالى , وتنتشر في المقابل بشكل أكبر كلما ضعف إيمان الناس وبعدوا أكثر عن الله عزوجل .
من العادات السيئة عند أغلبية البشر , سواء كانوا مؤمنين أم كفارا , وسواء كانوا في هذا الزمان أو في زمان مضى , أو كانوا في مكان أو في مكان آخر , أو كانوا في ظرف أو في ظرف آخر , قلتُ من هذه العادات السيئة العادة الآتية :
ا- الناس يصدقون الشر بسهولة : ومنه يمكن أن يوجد في أي مجتمع شخص مؤمن مسلم مستقيم ورع تقي صادق مخلص يحب فعل الخير مع الله ومع الناس و...هذا هو ظاهره لسنوات وسنوات , ربما تتجاوز ال 30 أو ال 40 أو ال 50 سنة . ولكن يحدثُ في يوم من الأيام أن يتورط هذا الشخصُ مثلا في سرقة كبيرة أو صغيرة وينتشر هذا الخبر بين الناس ويسمع به الخاص والعام منهم . ما الذي يحدث عندئذ في أغلب الأحيان والظروف والأمكنة والمجتمعات ؟!. الذي يحدث هو أن أغلبيةَ الناس سيقول الواحد منهم تلميحا أو تصريحا , بلسان الحال أو المقال " آه ثم آه !!. الآن فقط ظهرت حقيقةُ هذا الشخص البشعة ... أنا من زمان لم أكن أبدا مطمئنا إلى هذا الشخص , وكنتُ دوما أتوقع أن لباس الإيمان والإسلام والتقوى والورع الذي يلبسه هو لباس مزيف , وأنا كنتُ دوما في نفسي ميالا إلى أن هذا الشخص شريرٌ وأن مظهره الطيب والمبارك هو مظهرٌ كاذب ومخادع . ألم أقل لكم أكثر من مرة يا إخوتي بأن هذا الشخص لا يعجبني وكنتم تردون علي بكلمات مثل ( اتق الله في أخيك ) و ( أنت مُوسوسٌ وكثيرُ الشكوك ) و ( لا تسيء الظن بأخيك ) وكنتُ أرد عليكم بقولي ( المستقبل بيني وبينكم يا إخوتي ) و ... ألم أطلب منكم يا إخوتي أكثر من مرة أن تتحفظوا من هذا الشخص كما كنت أتحفظُ أنا منه , ولكنكم لم تسمعوا أبدا لكلامي . وها هو الواقع اليوم يؤكد بأنني كنتُ على حق وصواب وبأنكم كنتم مخطئين كل الخطأ كما كنتم مخدوعين بهذا الرجل السيئ "!!!!!!!.
وربما كان هذا الشخص بالفعل مستقيما وصادقا ومخلصا لله , ولكن فقط غلبـتـه نفسُه في يوم من الأيام فسرق , وربما كان خيره بإذن الله أكبر بكثير من شره , وحسناته ربما كانت أكثر بكثير من سيئاته . ومع ذلك فلن يعود الناس إلى الثقة بهذا الشخص من جديد إلا بعد أن يعود إلى استقامـته من جديد ويستمر على ذلك لسنوات طويلة وطويلة .
ب- الناس لا يصدقون الخير إلا بصعوبة : ومنه يمكن أن يوجد في أي مجتمع شخص يكذب ويسرق ويخون , تارك للصلاة ويشرب الخمر ويتناول المخدرات ويزني , ويحب فعل الشر مع الله ومع الناس و ... هذا هو ظاهره لسنوات وسنوات . ولكن يحدثُ في يوم من الأيام أن يعود إلى الله ويبدأ يصلي ويحافظ على الصلاة في وقتها وفي المسجد . ما الذي يحدث عندئذ في أغلب الأحيان والظروف والأمكنة والمجتمعات ؟!. الذي يحدث هو أن أغلبيةَ الناس سيقول الواحد منهم تلميحا أو تصريحا , بلسان الحال أو المقال " إيه .كأن هذا الشخص يريد أن يخدعنا بصلاته !. هو يريدنا أن نصدق بأنه بالفعل تاب إلى الله واستقام أمره على الإسلام والإيمان !. يا رجل هل تحسبنا مجانين أو مغفلين أو أغبياء أو حمقى حتى نصدق بأنك بالفعل تخليت عن فسقك وفجورك ؟!. أفق من نومك يا هذا واعلم أننا لن نصدقك أبدا !. هل يمكن أن نصدق أن شارب الخمر والمدمن على المخدرات تاب إلى الله بالفعل واستقام أمره ؟! . هل يمكن أن نصدق بأن الزاني والكاذب والخائن والسارق و... أصبح يصلي الصلاة في وقتها وفي المسجد في الله ولله .
إنك يا هذا تريد أن تخدعنا بالصلاة لتكسب ثقتنا ثم تواصل مسلسل فسقك وفجورك !. إذن إعلم بأنك واهم في ظنك هذا , ونحن لن نصدقك , لأننا نعلم بأنك كنتَ شريرا وستبقى كذلك بإذن الله وستموتُ على ذلك والعياذ بالله !.إعلم يا هذا , أنك تخدع نفسك فقط , أما الله ثم نحن فإنك لن تخدعنا أبدا ,فلا تتعب نفسك!. إننا لن نصدق أبدا بأنك تصلي لله , وإنما نحن نعتقد جازمين بأن صلاتك في الوقت وجماعة هي للشيطان ليس إلا " !!!!!!!.
وربما كان هذا الشخص بالفعل تائبا بحق وصادقا مع الله ومخلصا لله , بعد أن غلبه الشيطان والهوى والنفس لسنوات طويلة , وربما كان خيره – في المستقبل - بإذن الله أكبر بكثير من شره , وحسناته – في نهاية حياته - ربما كانت أكثر بكثير من سيئاته . ومع ذلك فلن يثق الناس بهذا الشخص إلا بعد أن يداوم على صلاته في الوقت وفي المسجد لمدة طويلة , وإلا بعد أن يتخلى عن فسقه وفجوره ويستمر على ذلك لسنوات طويلة وطويلة .
إذن الناس يصدقون الشر بسهولة , ولكنهم لا يصدقون الخير إلا بصعوبة , للأسف الشديد .
ألا ما أقبح هذه الصفة الموجودة عند أغلبية الناس , وصدق الله العظيم " قُـتل الإنسان ما أكفره " ,
" إنه كان ظلوما جهولا " .

ليست هناك تعليقات: