الأربعاء، 28 مايو 2008

عن زيارة المرأة للمقبرة :


21- لمن قال بأن زيارة المقبرة للنساء حرام ٌ : نعم الاحتياطُ في الدينِ مطلوبٌ , هذا صحيحٌ , وأحيانا يلجأ الفقيهُ إلى القول بتحريم شيء معين سدا للذرائع , ومع ذلك فإنني أقولُ :أنا أذكر بالمناسبة إماما كريما عندنا في ميلة ( الجزائر) قال في يوم من الأيام في درس من الدروس المسجدية بأن زيارة المقبرة للمرأة حرامٌ ثم حرام . ذهبتُ عنده بعدَ الدرس , وكنتُ أعرفه , وهو يحترمني كثيرا والحمد لله . سألتُه " لم القولُ بأن الزيارةَ حرام ؟" . قال لي :" الزيارة جائزة بشروط قلما تتوفر أو نادرا ما تتوفر , ومنه فالأفضلُ أن نُـغـلـقَ هذا الباب أمام النساء مادام بابا يمكن أن يأتيَ منه الكثيرُ من الشرِّ " , قلت له : هذا مرفوضٌ من جهات عدة منها :1- الأول أن سد الذرائع مصدرٌ من مصادر التشريع الإسلامي المختلف عليها وليس المتفق عليها .2- ثم إن أخذنا بسد الذرائع فإن سد الذرائع هو مصدرٌ من مصادر التشريع عند فقيه من الفقهاء لا عندي وعندك أنت أخي الكريم . 3 - تحريم الحلال حرام وإباحة الحرام حرام كذلك , ولكن لأن الأصلَ في الأشياء الإباحة فإن تحريمَ الحلال أشد إثما عند الله من إباحة الحرام وفي كل شر . ومنه فالقولُ بأن أكلَ الخبز مثلا حرام هو عند الله أشدُّ إثما من القول بإباحة الكذب .4- لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " زوارات القبور" , أي المبالِغات والمُكثرات من زيارة المقبرة . إذن من زارت المقبرةَ باعتدال والتزمت بشروط معينة جاز لها ذلك على الأقل عند بعض الفقهاء . 5- وإذا كانت الكثيراتُ من النساء تزرن المقبرة وترتكبن أثناء الزيارة منكرات مثل الاختلاطَ بالرجال ولطم الخدود وشق الجيوب ودعوى الجاهلية والقيل والقال و... فليس هذا عذرا شرعيا ومقبولا وصحيحا من أجل تحريم زيارة النساء للمقبرة مطلقا , وذلك لأن نساء لا يلتزمن بالشروط والضوابط الشرعية ولكن نساء أخريات – قليلات أو كثيرات - يلتزمن بها وعلى أكمل وجه بإذن الله تعالى . وأنا - بنفسي- جربتُ مرات ومرات فأخذتُ معي نساء من أهلي لزيارة المقبرة وألزمتُـهن بالزيارة كما يحبُّ الله بعيدا عن أية بدعة وعن أي حرام وتمت الزيارة على أحسن وجه , فبأي حق إذن يقولُ القائل بأن زيارةَ المرأة للمقبرة حرامٌ مطلقا ؟! وإذا كانت الحجةُ هي أن أغلبيةَ النساء لا يلتزمن بالشروط الشرعية فإنها حجة ضعيفة , وهذا منطق خاطئ وبعيد عن بساطة الإسلام وسماحته وواقعيته , وكذا عن حرصه على التيسير على الناس لا التعسير , وعلى التبشير لا التنفير . ويمكن أن يقاس على مثال زيارة النساء للمقابر مئات الأمثلة الأخرى .
6- ومنه فكما أن إباحة ما حرم الله أمر خطير فإن تحريم ما أحل الله أمرٌ أخطر بإذن الله فلننتبه إلى ذلك .
7- وإذن ما المطلوب من الإمام أو المدرس أو الداعية , ما المطلوب منه قوله للناس ؟ . أنا أرى بأنه مطلوبٌ منه أن يُبلغ للناس بأن زيارة المقبرة للنساء جائزة بشروط كذا وكذا ... فإن لم تتوفر هذه الشروط كانت الزيارة ُحراما . وأما إن فرضنا بأن امرأة استغلت هذا الكلام وزارت المقبرةَ ولم تُـراع الشروطَ المطلوبة فأنا أرى - والله أعلم - بأن الذنبَ ذنبُها وليس ذنب الإمام أو الشيخ أو الأستاذ أو المُدرس أو الداعية أو العالم أو ... ومن يريد أن يخدعَ فإنما يخدع نفسَه في النهاية , وأما العالمُ فمطلوبٌ منه أن يُـبلغ شرعَ الله وأن يُوضح شروطَ الجواز والحرمة والوجوب .
سؤال : سألني سائل فقال " ما دليلك على أن زيارة النساء للمقبرة جائزة ؟" .
قلتُ :اختلف العلماء في زيارة النساء للمقابر.فحرمها قوم وأجازها وأباحها آخرون وكرهها فريق ثالث .
أولا : أما من حرمها فاستدل بحديث " لعن الله زوّارات القبور".
والذين يقولون بالتحريم يقولون عادة " الراجح تحريم زيارة النساء للمقابر " , وهذا يدلّ على أن المسألة خلافية ، وأنها ليست محل إجماع .ثانيا : وذهب آخرون إلى أنه يجوز للنساء زيارة القبور دون الإكثار منها بدليل نفس الحديث السابق لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نهى فيه عن مطلق الزيارة وإنما نهى عن الإكثار منها والمبالغة فيها .
يجوز للنساء زيارة المقابر وكذا يجوز لهن زيارة قبر النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما أبي بكر وعمر .ومن الأدلة الصحيحة الثابتة على ذلك : 1- قالت أم عطية " نهينا عن اتباع الجنائز ولم يُعزم علينا " , أي ولم يُؤكَّـد علينا . والحديث رواه البخاري ومسلم . وحديث أم عطية يُفيد النهي ، وهو نهي للتـنـزيه ليس إلا , كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -. 2- قال رسول الله عليه الصلاة والسلام " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " , رواه الإمام مسلم . والنساء داخلات ضمناً في هذا الحديث . وهذا ما فهمته عائشةُ رضي الله عنها .
3- عائشة رضي الله عنها التي فهمت ما فهمت , هي التي " أقبلت ذات يوم من المقابر فقال لها ابن أبي مليكة : يا أم المؤمنين من أين أقبلت ؟ قالت : من قبر أخي عبد الرحمن بن أبي بكر ، قال : فقلت لها : أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور ؟ قالت : نعم ،كان قد نهى ثم أمر بزيارتها". رواه الحاكم ، وصححه الألباني . 4-ولما أتى النبي صلى الله عليه وسلم أهل البقيع فاستغفر لهم , قالت عائشة رضي الله عنها
" قلتُ كيف أقول لهم يا رسول الله ؟ قال : قولي : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون " . رواه مسلم .وهذا حدثَ في آخر حياته صلى الله عليه وسلم . فها هو إذن النبي صلى الله عليه وسلم يُرشد عائشة ويُخبرها ماذا تقول إذا زارت المقابر , فلم يقُل لها " لا تفعلي" , كما أنه لم يقُل لها " لعن الله زائرات القبور" . وإنما قال لها قولي " السلام ... إلخ ". قال الإمام النووي " وبالجواز قطع الجمهور" , يعني قطع جمهور العلماء بجواز زيارة المقابر سواء كان الزائر رجلا أو امرأة , كما قال ابن حجر . ويمكن الاستزادة في هذا الموضوع من خلال كتاب "أحكام الجنائز وبدعها" للشيخ الألباني رحمه الله .ثالثا : وبين من قال بالحرمة ومن قال بالجواز , هناك قول ثالث هو وسط بين القولين : كراهة زيارة النساء للقبور كراهة لا تصل إلى التحريم ، و هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى .
والله وحده أعلم بالصواب .

ليست هناك تعليقات: